الكذب التاريخي- سلاح إسرائيل والإبادة في غزة.

المؤلف: عبده خال11.09.2025
الكذب التاريخي- سلاح إسرائيل والإبادة في غزة.

المستقبل ينبثق من رحم الحاضر، ومن يعيش تفاصيل اللحظة الراهنة، لا مناص له من استيعاب الماضي وفهم أبعاده.

إن تدوين التاريخ يعتمد على سلسلة من الأحداث والروايات، بصرف النظر عن مدى صحتها أو دقتها، والأهم هو تراكمها وتفاعلها، ومن خلال هذا التراكم المكثف، قد تُصاغ أكاذيب تخدم فئة أو دولة أو أقلية معينة، وتمنحها حقوقًا غير مستحقة على حساب الآخرين. وخصوصية المكان غالبًا ما تصطدم بالجوار الجغرافي، أو العداوات المستحكمة، أو التقاطعات التاريخية والدينية التي يستغلها صانعو تلك الأكاذيب.

لذا، يتحتم على كل شعب أن يقرأ تاريخ بلاده بتمعن، ليكون محصنًا ضد أي تلاعب أو تزييف يمس هويته وانتمائه، وهذا التحصين يتحقق بمعرفة الحقائق والوقائع التاريخية منذ نشأتها، واستيعاب التحولات والتطورات التي مرت بها عبر العصور الغابرة، مما يمكّن الفرد من كشف التحايل والتضليل، لأن الأكاذيب التاريخية تعتمد بشكل أساسي على جهل الناس بكيفية صياغتها وتلفيقها.

فالإنكار التاريخي يقوم على إعادة طرح الشكوك والتساؤلات حول الحقائق الراسخة في أذهان الناس، دون أي تدقيق أو تمحيص، وإعادة بناء التاريخ الماضي بشكل مغاير للحقيقة، يعتبر تزييفًا خفيًا يهدف إلى إضفاء مصداقية زائفة على الأكاذيب التاريخية الطارئة في نظر الأجيال القادمة.

وكتابة الأكاذيب التاريخية وترسيخها على أنها حقائق، يتطلب وجود كيان قوي وداعم يتبنى هذه المهمة، ويستمر في تقديم الدعم اللازم على مر الزمن، بل ويستفيد من تعاقب الأجيال لطمس الحقائق التاريخية الأصلية، وتثبيت الأكاذيب التاريخية المزيفة، وهذا يشبه إلى حد كبير ما نراه من شائعات تنتشر بسرعة، ويتم دعمها بصور مفبركة تُعرض على أنها صور حقيقية للأحداث.

وكلما كان التاريخ غائبًا عن وعي الشعوب، كلما كان من السهل ترسيخ الأكاذيب وتثبيتها في أذهانهم، وهذا على مستوى الحفاظ على الأكاذيب التاريخية نشطة وحاضرة عبر الزمن، وتسخير الدراسات والأفلام والروايات التي ترمي إلى تأكيدها وتعزيزها، لتتحول بمرور الوقت إلى حقائق مسلم بها، ولإثارة التعاطف مع المروجين لها، يتم إنتاج الأفلام وكتابة الروايات التي تصور الضحايا على أنهم تعرضوا لمظالم تاريخية فادحة، وتكاد دولة الاحتلال الإسرائيلي تكون النموذج الأمثل لتأكيد أكاذيبها التاريخية، وما كذبة "الهولوكوست" إلا دليل قاطع على ترسيخ الأكاذيب التاريخية، حتى إذا جاء من يكذبها، يكون الوقت قد فات، وتكون الأكذوبة قد ترسخت في الأذهان على أنها حقيقة تاريخية لا تقبل الجدل.

وإسرائيل، في تحركاتها ومساعيها الدؤوبة، عمدت إلى تفصيل الأكاذيب التاريخية عبر الزمن، ولا تزال مستمرة في اختلاق الأكاذيب واستغلال كافة المواقف والإمكانيات، لدفع عجلة الأكاذيب إلى الأمام، ورعايتها والاهتمام بها حتى تصبح كرة ضخمة بحجم الجبل، تتحرك بثبات ويقين.

إنها دعوة موجهة إلى الشعوب، تحثهم على معرفة تاريخهم العريق، والحفاظ على جغرافيتهم المقدسة، من أجل دحض الأكاذيب التي تُحاك ضدهم، وتستهدف وجودهم وهويتهم.

وما يحدث الآن في غزة من إبادة جماعية بشعة، يستند إلى الأكاذيب التاريخية، بدعم من قوى عالمية كبرى شاركت في صياغة هذه الأكاذيب، وأضافت إليها المزيد من البهارات والتوابل، حتى صدقها العالم وأمعن في الصمت حيال القوة الغاشمة التي تساند تلك الأكاذيب التاريخية، إلا أن الدمار الهائل الذي خلفته هذه الجرائم، أيقظ الكثيرين من سباتهم العميق، وفضح زيف هذه الأكاذيب، كما أيقظ الكتاب والمفكرين والفلاسفة، وهذا هو الفيلسوف الفرنسي إدغار موران، يقول بمرارة: «مؤلم جدًا ما يحدث في غزة. استخدام مفرط للقوة. إبادة جماعية وعلى مرأى من كل العالم. تعليق كل شيء على حماس وتكرار ما حصل لا يبرر كل هذا الصمت. الفاتورة باهظة جدًا. كل ما يحدث الآن يؤكد أن زوال إسرائيل بات وشيكًا وأقرب مما نتصور».

وفي ختام هذه المقالة، هل يمكننا الجزم بأن حبل الكذب قصير، أم يمكن إطالته بحبل أطول؟ في حالة إسرائيل، العالم بأسره اكتشف الوجه الدموي لهذا الكيان، وتجلت الأكاذيب التاريخية من خلال ممارساته الوحشية، وأنه كيان احتلالي مستبد، تدعمه قوى أكثر استبدادية منه.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة